نصيحة منهجية من شيخ الإسلام ابن تيمية
صفحة 1 من اصل 1
نصيحة منهجية من شيخ الإسلام ابن تيمية
نصيحة منهجية من شيخ الإسلام ابن تيمية
________________________________________
عن كميل بن زياد قال : اخذ بيدي أمير المؤمنين فأخرجني إلى ناحية الجبان – الصحراء – فلما أصحرنا جلس فتنفس الصعداء ثم قال :
( يا كميل بن زياد : إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، احفظ ما أقول لك :
الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق .
يا كميل : العلم خير لك من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على النفقة والمال يزول ، ومحبة العالم دين يدان به ، وبه يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد مماته ، المال تنقصه النفقة ، العلم حاكم والمال محكوم عليه .
يا كميل : مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقى الدهر أعيانهم مفقودة
و أمثالهم في القلوب موجودة .
ثم قال : آه ، آه ، أن ههنا لعلما جما لو أصبت له حملة "وأشار بيده إلى صدره " ثم قال : اللهم بلى قد أصبت له لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا ، يستظهر بنعم الله على عبادة ، وبحججه على كتابة ، أو معاندا لأهل الحق ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، لا ذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذات ، سلس القياد للشهوات مغرما بجمع الأموال والادخار ليس من الدين في شي ، اقرب الناس شبها بالبهيمة السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله على عبادة أولئك هم الأقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا ، بهم يحفظ الله دينه حتى يؤدونه إلى نظرائهم ويزرعونه في قلوب أشباههم هجم العلم بهم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضة ودعاته إلى دينة ، آه ثم آه وا شوقاه إلى رؤيتهم واستغفر الله ولك إذا شئت فقم ) .
قال الإمام المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ " مفتاح دار السعادة " (1/140):
وقوله " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة "
هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته إذا وردت على قلبه أدنى شبهة قدحت فيه الشك والريب ؛ بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكا ؛ لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة .
والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ، ومعرفة بطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها و إلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا .
والقلب يتوارده جيشان من الباطل:
جيش شهوات الغي .
وجيش شبهات الباطل .
فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها تشربها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه ، وجوارحه بموجبها ،
فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك ، والشبهات ، والإيرادات ؛ فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ؛ وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه .
وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد ـ : لا تجعل قلبك للإيرادات ، والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، و إلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات - أو كما قال - فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس ، فيعتقد صحتها و أما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وما تحت لباسها فينكشف له حقيقتها .
ومثال هذا: الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظرا إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ؛ فيطلع على زيفه .
فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف ، والمعنى كالنحاس الذي تحته ، وكم قد قتل هذا الاغترار من خلق لا يحصيهم إلا الله .
وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر ، وتدبره رأى أكثر الناس يقبل المذهب ، والمقالة بلفظ ، ويردها بعينها بلفظ آخر ، وقد رأيت أنا من هذا في كتب الناس ما شاء الله ، وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح
________________________________________
عن كميل بن زياد قال : اخذ بيدي أمير المؤمنين فأخرجني إلى ناحية الجبان – الصحراء – فلما أصحرنا جلس فتنفس الصعداء ثم قال :
( يا كميل بن زياد : إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، احفظ ما أقول لك :
الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق .
يا كميل : العلم خير لك من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على النفقة والمال يزول ، ومحبة العالم دين يدان به ، وبه يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد مماته ، المال تنقصه النفقة ، العلم حاكم والمال محكوم عليه .
يا كميل : مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقى الدهر أعيانهم مفقودة
و أمثالهم في القلوب موجودة .
ثم قال : آه ، آه ، أن ههنا لعلما جما لو أصبت له حملة "وأشار بيده إلى صدره " ثم قال : اللهم بلى قد أصبت له لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا ، يستظهر بنعم الله على عبادة ، وبحججه على كتابة ، أو معاندا لأهل الحق ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، لا ذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذات ، سلس القياد للشهوات مغرما بجمع الأموال والادخار ليس من الدين في شي ، اقرب الناس شبها بالبهيمة السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله على عبادة أولئك هم الأقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا ، بهم يحفظ الله دينه حتى يؤدونه إلى نظرائهم ويزرعونه في قلوب أشباههم هجم العلم بهم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضة ودعاته إلى دينة ، آه ثم آه وا شوقاه إلى رؤيتهم واستغفر الله ولك إذا شئت فقم ) .
قال الإمام المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ " مفتاح دار السعادة " (1/140):
وقوله " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة "
هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته إذا وردت على قلبه أدنى شبهة قدحت فيه الشك والريب ؛ بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكا ؛ لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة .
والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ، ومعرفة بطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها و إلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا .
والقلب يتوارده جيشان من الباطل:
جيش شهوات الغي .
وجيش شبهات الباطل .
فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها تشربها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه ، وجوارحه بموجبها ،
فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك ، والشبهات ، والإيرادات ؛ فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ؛ وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه .
وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد ـ : لا تجعل قلبك للإيرادات ، والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، و إلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات - أو كما قال - فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس ، فيعتقد صحتها و أما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وما تحت لباسها فينكشف له حقيقتها .
ومثال هذا: الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظرا إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ؛ فيطلع على زيفه .
فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف ، والمعنى كالنحاس الذي تحته ، وكم قد قتل هذا الاغترار من خلق لا يحصيهم إلا الله .
وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر ، وتدبره رأى أكثر الناس يقبل المذهب ، والمقالة بلفظ ، ويردها بعينها بلفظ آخر ، وقد رأيت أنا من هذا في كتب الناس ما شاء الله ، وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح
مواضيع مماثلة
» هل صحيح أن شيخ الإسلام كان ضعيفا في.....
» الجمهورية الإيرانية ظاهرها الإسلام وباطنها العداء للإسلام -
» حكم الإسلام في مبيت المرأة عند المحارم- الشيخ مقبل رحمه الله
» الإسلام وسط بين الأديان فكذلك العقيدة السلفية وسط بين الفرق الشيخ محمد
» يقولون في الاذاعات أن المطر سينزل غدا.. نصيحة الشيخ الجامي
» الجمهورية الإيرانية ظاهرها الإسلام وباطنها العداء للإسلام -
» حكم الإسلام في مبيت المرأة عند المحارم- الشيخ مقبل رحمه الله
» الإسلام وسط بين الأديان فكذلك العقيدة السلفية وسط بين الفرق الشيخ محمد
» يقولون في الاذاعات أن المطر سينزل غدا.. نصيحة الشيخ الجامي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى